الكاتبة أمل ابولوح ماغاكيان

يوميات إمرأة خريفية 13
إرهاصات حلم داخل حلم
.....
اللافندر ...طريق النور والحياة

وجدت رجاء نفسها مسجّاة على بلاطٍ باردٍ محاطة بأربعة جدران وسقف وتحت السقف بقليل يوجد نافذة صغيرة جدا
بالكاد يدخل منها بعض الضوء وبعض الهواء ...وكأنها كانت
بغيبوبة واستفاقت منها للتو .حاولت جاهدة لمس السقف لكن يدها عجزت عن الارتفاع .نظرت بعينيها الزائغتين لجسدها المسجى ، لم تجده موثّقا أو مقيّدا ، فلا أثرا لسلاسل هنا أو حبال هناك ..ومع انها رأت جسدها كاملا آلا أنها شعرت أن اعضائها مبعثرة ، حاولت استجماع أشلائها علّها تصنع منها تلّة لتصعد عليها فتصل إلى النافذة ..
في هذه الأثناء راح جسدها المسجى يرتفع رويدا رويدا عن الأرض وكأنه محمولا على الأكتاف أو هناك قوى خفية ترفعه نحو الأعلى . وفي مسيرة الارتفاع شعرت رجاء أن وجهها وكلها بالمجمل ستلتصق بالسقف . ذعرت وصرخت والهي ماالذي يحصل ..لمَ كل هذا الألم ...صعب عليّ هذا الالتصاق
وصعب عليّ توقع سقوطي الشنيع بأي لحظة ...ربااااه ارحمني ..صرخت بحرقة المحموم لا لا لا ..أنا ماطلبت سوى الوصول إلى النافذة ...اغشي عليها .لتستيقظ عن جديد وترى نفسها فوق سريرها بالمشفى وأولادها  بقربها فرحين لاستيقاظها من البنج ..قائلين لها بمزاحهم المعهود : يبدو أن المخدر فعل فعله معكِ ياأماااه ...وها انتِ لم تضيّعي فرصة
حتى في أشد حالاتكِ تؤلفين وتكتبين وبصوت عالٍ أيضا ، ضحكوا جميعا وفي خضمّ السعادة ...عادت رجاء لتغفو عن جديد .لم تكن لتدري هل هو تأثير المخدر أم خدرها الذي أصابها سابقا في حلمها المفزع.، ام هو فضولها لمتابعة الحلم ...
بالفعل عاد إليها الحلم ، شعرت وكأن وجهها وجسدها اللذين كانا ملتصقان بالسقف ماعادا على الهيئة السابقة وكأن الأيادي الخفية بدأت تحيطها بتحنان وراحت تجلسها على كرسي وثير .ومع انه بدأ معلقا بالهواء إلا أنها أحست وكأنها تجلس فوق شرفة متينة وتنظر من النافذة إلى العالم الخارجي .
هالها مارأته من ضياء وجمال الطبيعة الخلّابة لم ترَ عيناها
مثيلا له ...هو عالم وردي عنوانه اللافندر (الخزامى ) ..
هذا اللون الذي يعتبر عند الصوفيين مرتبة من مراتب النفس . لكنه في هذا الوقت بالذات عنى لها الكثير فهو نكهة الحياة وصفاء الروح ...
بكت كما لم تبكي من قبل هطلت دموعها كحبات برد زجاجية شفافة ، لينة لاقاسية ، باردة لا حارقة ..أثلجت قلبها فشكرت الله على بديع صنعه اللامحدود وسبّحته كما ترنّمه الملائكة ...
في هذه اللحظة بدأت النافذة تتسع .والكرسي يهبط بها بهدوء وبات الضوء يزداد رويدا رويدا ..وعندما حط على البلاط بسلام ورهافة كما يحط الندى على خد الورد ...كانت النافذة قد تحولت لبوابة كبيرة وفتحت على مصراعيها وكأن صوتا ما يقول لها : اذهبي بسلام انتِ حرّة طليقة .
انطلقت مسرعة نحو الحقول لمعانقة الخزامى والنور لكنها
لم تغفل عن شكر الله ولا نسيان يده الخضراء .
في الصباح استيقظت عن جديد لتجد اولادها يحيطون بها
بنورهم الساطع الذي طغى على ضوء الصباح نورا ودفئا...
شعرت بسعادة غامرة وقالت : تعالوا لحضن والدتكم يازهوري
فأنتم أنتم الخزامى ، وأنتم أنتم النور ، وأنتم أنتم بهجة الحياة ورونقها وطعمها اللذيذ ...
في هذه الأثناء دخلت الطبيبة لتعلن أن الأمور بخير وبالامكان الخروج من المشفى متى تشاؤون ...
فُتِح باب المشفى على مصراعيه ، غادرته رجاء وهي محاطة
بأندر انواع اللافندر ....
...........
أمل ابولوح ماغاكيان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشاعر هائل الصرمي

الشاعر احمد خميس عبد الجواد

الشاعر ابو منتظر السماوي